الصحة والعلاج

تاريخ زيت الزيتون من الحضارات القديمة إلى موائد اليوم.

تاريخ زيت الزيتون من الحضارات القديمة إلى موائد اليوم

 

زيت الزيتون ليس مجرد زيت؛ إنه قطعة من التاريخ السائل، شاهد صامت على نشأة الحضارات، وشريك أساسي في طقوسهم وحياتهم اليومية. منذ آلاف السنين، كانت شجرة الزيتون، أو “شجرة الحياة” كما يُطلق عليها، رمزاً للسلام، والحكمة، والرخاء في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

دعونا ننطلق في رحلة عبر الزمن لنتتبع أثر هذا الإكسير الذهبي.

 

المرحلة الأولى: المهد والأساطير (7000 ق.م. – 1000 ق.م.)

 

تُشير الأدلة الأثرية إلى أن شجرة الزيتون البرية (الزيتون العجمي) نشأت لأول مرة في منطقة الشرق الأدنى، وتحديداً في مناطق الهلال الخصيب.

 

المينويون والفينيقيون: الرواد الأوائل

 

  • كريت واليونان (3500 ق.م.): يُنسب الفضل في أول زراعة منظمة للزيتون واستخراج الزيت إلى الحضارة المينوية في جزيرة كريت اليونانية. لم يكن الزيت مادة غذائية فحسب، بل كان سلعة تجارية ثمينة جداً، تُستخدم للمقايضة والثراء.
  • الرمزية الدينية: في الأساطير اليونانية، قيل إن الإلهة أثينا هي من أهدت شجرة الزيتون لأهل أثينا، مما جعلها رمزاً للحكمة والقوة.
  • انتشار التجارة: لعب الفينيقيون دوراً محورياً في نقل أشجار الزيتون ونشرها عبر طرقهم التجارية إلى حوض المتوسط، وصولاً إلى شواطئ شمال إفريقيا وإسبانيا.

 

المرحلة الثانية: العصر الذهبي والاستخدام المتعدد (1000 ق.م. – 500 م.)

 

في هذه المرحلة، وصل إنتاج واستخدام زيت الزيتون إلى ذروته، خاصةً في الإمبراطوريتين اليونانية والرومانية.

  • اليونان القديمة: كان الزيت يُستخدم لتغذية المصابيح، وفي التجميل لدهن الجسم بعد الاستحمام أو قبل التمرين، وفي الطب كمرهم ومعالج. كان الفائزون في الألعاب الأولمبية القديمة يُكافؤون بأكاليل من أغصان الزيتون وقوارير مليئة بالزيت الثمين.
  • الإمبراطورية الرومانية: نظّم الرومان إنتاج الزيت، وأصبح جزءاً لا يتجزأ من “الحصة الغذائية” (Stipendium) التي تُمنح للجنود والمدنيين. أنشأوا معاصر ضخمة وأتقنوا طرق النقل والتخزين في جرار فخارية كبيرة (Amphorae).
  • الاستخدام الديني: في الأديان الإبراهيمية، كان زيت الزيتون جزءاً أساسياً من طقوس المسح والتقديس والإضاءة.

 

المرحلة الثالثة: العصور الوسطى والتراجع النسبي (500 م. – 1500 م.)

 

بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، انخفض إنتاج الزيت في بعض المناطق، لكنه ازدهر في مناطق أخرى.

  • الدور الإسلامي: حافظت الحضارة الإسلامية على زراعة الزيتون في الأندلس وشمال إفريقيا، وطوّرت من تقنيات العصر والري، واستخدمته بانتظام في الطهي والطب وصناعة الصابون.
  • الكهنوت والكنائس: حافظت الأديرة والكنائس الأوروبية على زراعة الزيتون لأغراض دينية (طقوس المسح والإضاءة) وكمصدر للطعام.

 

المرحلة الرابعة: النهضة الحديثة وعودة الاكتشاف (1500 م. – اليوم)

 

  • اكتشاف العالم الجديد: قام المستكشفون الإسبان بنقل شتلات الزيتون إلى الأمريكيتين، وبدأت زراعته في كاليفورنيا والمكسيك وتشيلي والأرجنتين.
  • النهضة العلمية: في منتصف القرن العشرين، بدأ الاهتمام العلمي يتزايد بـ”الحمية المتوسطية”. كشفت الأبحاث عن الفوائد الصحية الهائلة لزيت الزيتون في محاربة أمراض القلب والالتهابات، مما أدى إلى ارتفاع شعبيته عالمياً.
  • المائدة اليوم: تحول زيت الزيتون البكر الممتاز من كونه مجرد دهن للطبخ إلى عنصر غذائي وظيفي يُنصح به الأطباء وخبراء التغذية حول العالم، ليصبح أساساً لمائدة صحية ومستدامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *